لم يكن عاصي الرحباني ونهاد حداد يعلمان أن لقاءهما الأول سيفتح أمامها طريقاً طويلاً من ورد وشوك ونجاح وحب وزواج وعائلة فمؤسسة فنية غيرت وجه الغناء والمسرح في لبنان والمنطقة.
بعد دخول عاصي الإذاعة اللبنانية، كانت نهاد حداد قد أصبحت تحت رعاية حليم الرومي الذي احتضنها غنائياً، فلحن لها العديد من الألحان الناجحة، وكان أولها “تركت قلبي وطاوعت حبك” التي أذيعت مباشرة عبر ميكروفون الإذاعة في نيسان ١٩٥٠، وتلاها عدد من الأغنيات، منها “في الجو سحر وجمال”، “یا حمام يا مروّح بلدك”، و”أحبك مهما أشوف منك”. كما غنّى معها ديو ” عاشق الورد”.
في هذه المرحلة أيضاً، انهمك الرومي بوجوه جديدة اكتشفها، وتحديدًا نونا الهنا وسعاد هاشم. ولما كانتا بحاجة لرعاية واهتمام، خطر في باله أن يضع فيروز تحت رعاية بعض زملائه الملحنين فلم تمانع فيروز في ذلك. وعرض عليها أسماء سليم الحلو وخالد أبو النصر وعاصي الرحباني.
فما أن سمعت فيروز باسم عاصي حتى أعلنت رفضها له وقالت: “دخيلك يا إستاذ خلّي الكل يلحنولي الا عاصي”. وعندما سألها عن السبب أجابت: “هيك، ما بحب إحكي معو” .
فقال لها: “شوهيك؟ المهم ناخد لحن منو”.
وأرسل حليم الرومي في طلب عاصي الرحباني الذي كان في هذا الوقت يعمل كعازف كمان في الفرقة الموسيقية الخاصة بالاذاعة اللبنانية.
كما كان يتعاون بين وقت وآخر مع اذاعة الشرق الأدنى على تقديم نوع معين من الأغاني الخفيفة المرحة التي تقوم بغنائها شقيقته سلوى، مثل “دجاجات الحب” و”نحنا دياب الغابات” وغيرهما. وعندما كان ينتهي من انجاز لحن يسمعه لحليم الرومي ويطلب ملاحظاته.
أما شقيقه منصور فكان ما يزال في سلك الشرطة، وكان يأتي لزيارة شقيقه في الاذاعة مرة في الأسبوع أو كلما سنحت الظروف بذلك، بعدما استقال عاصي من
الشرطة البلدية ليمضي في طريق الفن.
وكان لتشجيع رئيس دائرة الاذاعة فؤاد قاسم دوره الأول في حياة عاصي الموسيقية، إذ أفسح أمامه فرصة العمل في الاذاعة، ومن ثم أتاح أمامه مجال التأليف والتلحين. ومن أعماله في ذاك الوقت الألحان التي صاغها لفرقة “شداة الوادي” التي انحصر دورها في أداء الأناشيد الوطنية.
وجاء عاصي إلى مكتب حليم الرومي ليسأله عن سبب استدعائه له. وعلى الفور قال له الرومي: “بدي عرفك على فيروز”.
وشبك عاصي يديه ووضعهما على صدره وأجاب بلهجة يميزها الاعتداد: “بعرفها… بعرفها… صوتها مليح”.
وقال الرومي: “إن المسألة لا تكمن في أن صوت مع معدن مليح، وانما بامكان هذا الصوت اداء اللون الشرقي والغربي على السواء”.
واعترضه عاصي بالقول: “ولكني أستاذ حليم لا أعتقد ان صوت فيروز يتلاءم مع اللون الغربي”. وكان حليم الرومي على قناعة تامة بأن صوت فيروز يمكنه التلون غنائياً اللونين الشرقي والغربي. ولم يكن هذا بيت القصيد وانما أن يتم تقديم فيروز إلى عاصي الذي ما أن التقاها حتى اتفق معها على لقاءات مقبلة أثمرت عن اشتراكها في عمل ثنائي باسم “لما ولمياء”، وكانت حنان، وهي بدورها مطربة، تقوم بالدور الآخر.