
عندما تجاوزت نهاد حداد العاشرة من عمرها، بدأ صوتها العذب يلفت الأنظار في مدرستها، حيث كانت تتميز بأداء الأناشيد الوطنية في مختلف المناسبات. كلما غنّت، غمرها شعور بالحماس والفخر، فالحماس نابع من كلمات الأناشيد التي تثير المشاعر، أما الفخر فكان لتعويضها عن ضعفها في مادة الحساب ببراعتها في الغناء، مما جعلها محط اهتمام المعلمات وزميلاتها.
لم تقتصر اهتمامات نهاد على الأناشيد فقط، بل كانت تحفظ العديد من الأغاني، مثل “يا ما أرق النسيم” لليلى مراد و”يا ديرتي مالك علينا لوم” لأسمهان. وفي منتصف الأربعينات، حينما كان موسم الخريف يكسو بيروت بسحب رمادية استعدادًا لعيد الشجرة، تلقى محمد فليفل، الموسيقي المعروف، دعوة من جمعية أصدقاء الشجرة للإشراف على أداء النشيد الرسمي “جنة في وطني” في المدارس.
عندما زار مدرسة الإناث الأولى الرسمية، استمع إلى أصوات الطالبات، وكان دور نهاد استثنائيًا. أدّت النشيد بصوت قوي جذب انتباه فليفل، الذي لاحظ حاجتها إلى التدريب والصقل. وعندما انتهت من الغناء، سألها عن اسمها ووالدها، ثم اقترح عليها الالتحاق بالكونسرفاتوار الوطني لدراسة الموسيقى.
استقبل والدها الخبر بإعجاب لكنه قرر التأكد من خلفية الأستاذ قبل الموافقة. وبعد تحرياته، وافق على تسجيلها في المعهد، حيث بدأت في كانون الأول 1946 بدروس مجانية على يد محمد فليفل. كان صوتها يتمتع برنين مميز لكنه محدود في نطاقه الموسيقي، فعمل فليفل على توسيعه، محذرًا إياها من المبالغة في الأداء حتى لا تؤذي أحبالها الصوتية.
اتبعت نهاد نصائحه بحرص، وتدربت على الأناشيد والتقنيات الموسيقية، فازدادت مهارتها وتمكنت من أداء المقامات الموسيقية بدقة. كان صوتها يضفي لمسة خاصة على الألحان، وكأنها هي من أبدعها. وعندما أثبتت كفاءتها، قدمها فليفل للامتحان الموسيقي في نهاية العام.
لم يكن طموح نهاد يتوقف عند الغناء، فقد كانت تحلم بأن تصبح معلمة أو موظفة. وبعد أربع سنوات من الدراسة، طلب والدها من فليفل مساعدتها في الحصول على وظيفة. حاول فليفل إدخالها إلى إذاعة الشرق الأدنى، لكن انتظار القبول دفعه إلى مراجعة الإذاعة اللبنانية، حيث خضعت لاختبار أمام لجنة من كبار الموسيقيين، من بينهم حليم الرومي.
عندما سألها الرومي عن الأغنية التي ستؤديها، اختارت “يا ديرتي” لأسمهان، ثم أدّت مقطعًا من “يا زهرة في خيالي” لفريد الأطرش. انبهر أعضاء اللجنة بصوتها، وبعد نجاحها، انضمت إلى كورس الإذاعة مقابل راتب شهري قدره مائة ليرة لبنانية.
بقي اختيار اسمها الفني مسألة تحتاج إلى قرار، فاقترح حليم الرومي اسمين: فيروز وشهرزاد. فضّلت نهاد اسم فيروز، ومنذ ذلك الحين، أصبح هذا الاسم رمزًا لصوتٍ لا يُنسى.