الزمن الرحباني – الحلقة الرابعة عشرة

كذلك, استخدم الرحبانيان الجمل الشعرية القصيرة والكلام القليل لإكساب الأغنية المزيد من الرشاقة، كما في أغنيات “طلّي من الطاقة”، “سمراء مهى”، “عاتبـة” وغيرها.

 

وأحياناً, كان الرحبانيان يضعان لحن الأغنية قبل كلماتها، فيلزمهما هذا اللحن باستنباط وزن شعري جديد يبنيان عليه القصيدة. ونشهد ذلك في العديد من أغانيهما، مثل “أقول لطفلتي”، “سلمى” و”بعدنا” التي غناها كلّ من فـيروز وجوزف ناصيف وعايده شلهوب .

ويقول منصور رحباني عن هذا الموضوع: نحن كنّا نفتّش عن الدهشة والغرابة في الفن، والأوزان الشعرية المعروفة باتت مألوفة، لحّنت مئات ألوف المرّات، لذلك رحنا نفتش عن أوزان غريبة ووجدنا الجواب على ذلك في الموسـيقى نفسـها. وهذه مسألـة معـقدة بالنـسبة إلى شاعر لا يجيـد المـوسيقـى، أو موسيقي لا يُجيد الكـتابة الشـعرية.

ويضيف منصور رحباني عن الكتابـة الشعرية: نحن ضدّ الزواج بين الفصحى والعامية في لغة عربية حديثة، أي اللغة الصحافية. هذا زواج يجعل من اللغـة وجهـاً بلا ملامح، شاغراً مـن التعبير، لا أخـاديد فـيه ولا شكل له. وقال: “أنا مع اللغة العربية الفصحى بكلّ معالـمها وملامحها، بكل جمـاليّتها وكنوزهـا، ومع لعبة الجملة فيها” . 

وتابع منصور رحباني قائلاً: الفصحى لغة الأهمية والإمكانات، ولكن من دون استخدام المفردات اليابسة المنسية، كأن تقول “الوديقة”، دلالة على الحرّ الشديـد. هناك مفردات ماتت، ويجب أن نستعـمل ما نفهـم من كلمات مع التشديـد على أهميـة اللعب بالجملة.

وختم منصور رحباني بالقول: أما اللغة المحكيّة فلها أيضاً كيميائية وحياة، عليك أن تحافظ على خصوصيّتها، لأنك إذا حذفت منها كلمات “ليش وهيك وبكرا” تصبح أيضاً وجهاً بلا ملامح.

وبالإضافـة إلى الكتابـة الشـعرية الموزونـة، كتب الرحبانيان من المـقاطع والحوارات ضمن أعمالهما المسرحيـة التي جاءت خالية من الوزن والقوافي. وأخضعا هذه الحـوارات للتلحين، كما في “جبال الصوان” و”صح النوم” و”المحطة”، وغيرها من الأعمال المسرحيـة.

هكذا نجح الأخوان رحباني في كتابة الأغنية اللبنانية، شعراً ونثراً, بالفصحى وبالعامـية، ومنحاها نكهة مختلفة وهويّة مغايرة لكل ما كان سـائر فأخذت مكانتها الخاصة والمرموقة على صعيد الأغنية الشرقية.

يقول الشاعر اليمني عبدالله البردوني إن أغنية فـيروز “صيّف يـا صـيف” تحـمل لغة هـي الذروة فـي ما يُمكـن أن يصل إلـيه التعبير الفنّي الراقي. والأغنيةمن كلمات الأخوين رحباني وألحان فيلمون وهـبة.

وقال الشاعر المصري الراحل صلاح جاهين إن مدرسة الرحبانيّين في الشعر الغنائي العامّي أثّرت بعمق في شعر كلّ من كتب العامية المصرّية.

لم يقتصر التجديد في الأغنية عند الأخوين رحباني على الكتابة الشعرية وإنما شمل أيضاً الكتابة الموسيقية. ما هي خصائص الموسيقى الرحبانية ؟ سؤال نجيب عليه في الحلقة المقبلة من الزمن الرحباني .

  • Related Posts

    بالسما المجد لألله
    • JosephJoseph
    • ديسمبر 22, 2024

    تأليف جوزف صقر بالسما المجد لألله وعالأرض بكل الأزمان ضوّى هالدنيي كلّا الكلمة اللي صارت انسان ربّ السما الأرض الكون تواضع حتى ينجينا يا يسوع رجاع من هون نورك وحدو…

    إقرأ المزيد

    أكمل القراءة
    الزمن الرحباني – الحلقة الخامسة عشرة
    • JosephJoseph
    • ديسمبر 10, 2024

    عندما انطلقت الأغنية الرحبانية في الأربعينات، دأب الأخوان رحباني على منحها هوية خاصة مستقلة عن الأغنية الغريبة عن لبنان، أكانت عربية أم أجنبية. وهذان التجديد والاستقلالية كان لا بد أن…

    إقرأ المزيد

    أكمل القراءة

    اترك تعليقاً

    لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

    أخبار فاتتك

    بالسما المجد لألله

    • من Joseph
    • ديسمبر 22, 2024
    • 0
    • 16 views
    بالسما المجد لألله

    الديك الرومي المشوي

    • من Joseph
    • ديسمبر 19, 2024
    • 0
    • 16 views
    الديك الرومي المشوي

    مكبس الرموش: الفوائد والأضرار والبدائل

    • من Joseph
    • ديسمبر 13, 2024
    • 0
    • 29 views
    مكبس الرموش: الفوائد والأضرار والبدائل

    كريسماس شتولن

    • من Joseph
    • ديسمبر 11, 2024
    • 0
    • 41 views
    كريسماس شتولن